سئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز : (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) ، هل هذا حديث ؟ وهل إذا كان حديثاً فهل الرسول صلى الله عليه وسلم ترك شيئاً لأحد حتى يسن به سنة في الإسلام ؟ نرجو أن توضحوا لنا هذا المقام بالتفصيل ؟
الجواب
هذا الحديث صحيح ، وهو يدل على شرعية إحياء السنن والدعوة إليها والتحذير من البدع والشرور ، لأنه صلى الله عليه وسلم يقول : ( من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص من أوزارهم شيئاً) خرجه مسلم في صحيحه .
ومثل هذا الحديث ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر من أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئاً ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً) وهكذا حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من دل على خير فله مثل أجر فاعله) خرجهما مسلم في صحيحه .
ومعنى (سن في الإسلام) أحيا سنة وأظهرها وأبرزها مما قد يخفى على الناس فيدعو إليها ويظهرها ويبينها ، فيكون له من الأجر مثل أجور أتباعه فيها وليس معناها الابتداع في الدين ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن البدع وقال ( كل بدعة ضلالة) وكلامه صلى الله عليه وسلم يصدق بعضه بعضا ، ولا يناقض بعضه بعضا بإجماع أهل العلم ، فعلم بذلك أن المقصود من الحديث إحياء السنة وإظهارها ، مثال ذلك : أن يكون العالم في بلاد ما يكون عندهم تعليم للقرآن الكريم أو ما عندهم تعليم للسنة النبوية فيحي هذه السنة بأن يجلس للناس يعلمهم القرآن ويعلمهم السنة أو يأتي بمعلمين ، أو في بلاد يحلقون لحاهم أو يقصونها فيأمر هو بإعفاء اللحى وارخائها ، فيكون بذلك قد أحيا هذه السنة العظيمة في هذا البلد التي لم تعرفها ، ويكون له من الأجر مثل أجر من هداه الله بأسبابه ، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( قصوا الشوارب وأعفوا اللحى وخالفوا المشركين) متفق على صحته من حديث ابن عمر رضي الله عنهما والناس لما رأوا هذا العالم قد وفر لحيته ودعا إلى ذلك تابعون ، فأحياء بهم السنة ، وهي سنـة واجبـة لا يجوز تركها ، عملاً بالحديث المذكور وما جاء في معناه ، فيكون لـه مثـل أجورهم ، وقد يكون في بلاد يجهلون صلاة الجمعة ولا يصلونها فيعلمهم ويصلي بهم الجمعة فيكون له مثل أجورهم ، وهكذا لو كان في بلاد يجهلون الوتر فيعلمهم إياه ويتابعونه على ذلك ، أو ما أشبه ذلك من العبادات والأحكام المعلومة من الدين ، فيطرأ على بعض البلاد أو بعض القبائل جهلها ، فالذي يحييها بينهم وينشرها ويبينها يقال : سن في الإسلام سنة حسنة ، بمعنى أنه أظهر حكم الإسلام ، فيكون بذلك ممن سن في الإسلام سنة حسنة .
وليس المراد أن يبتدع في الدين ما لم يأذن به الله ، فالبدع كلها ضلالة لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ( وأياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أيضاً : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وفي اللفظ الآخر: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق عليه.
ويقول في خطبة الجمعة عليه الصلاة والسلام : ( أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليـه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) خرجه مسلم في صحيحه فالعبادة التي لــم يشرعها الله لا تجوز الدعوة إليها ، ولا يؤجر صاحبها ، بل يكون فعله لها ودعوتــه إليها من البدع ، وبذلك يكون الداعي إليها من الدعاة إلى الضلالة ، وقــد ذم الله من فعل ذلك بقوله سبحانه : ()َمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) ..... الآية) .